يُفترض أن يعطي رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى دوائر المجلس إشارة الانطلاق في الورشة التشريعية التي وعد بها غداة إقرار قانون الانتخاب ومن ثم اجتماع «العشرة» الذي انعقد في قصر بعبدا، وباكورة هذه الورشة ستكون إعداد جدول أعمال لجلسة تشريعية سيدعو إليها في بحر تموز المقبل وفي مقدمة البنود مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي أشبع درساً ونقاشاً على حدّ تعبير الرئيس برّي، وبذلك تكون الحياة السياسية انطلقت من حال إلى حال حيث ان استمرار مناخات التفاهم والتوافق توفّر لمجلس النواب إفراغ ما في جعبته من مشاريع واقتراحات قوانين لدرسها واقرارها في جلسات عامة متتالية، وهذا بحد ذاته يُشكّل قوة دفع لا بل رافعة للحكومة، لإنجاز المهام الملقاة على عاتقها بعد ان تجاوزت حقل ألغام قانون الانتخاب، إذ ان أمامها أحد عشر شهراً لاجراء الانتخابات النيابية ولا يمكنها حتى ذاك الحين ان تقف مكتوفة الأيدي، فهناك الكثير.. الكثير من الملفات والاستحقاقات التي عليها معالجتها وفي طليعة ذلك الموازنة العامة التي أعلن رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان بأن اللجنة ستنتهي من درسها وتمحيصها قبل منتصف الشهر المقبل، وفي حال تم ذلك تحال إلى الهيئة العامة التي يعود إليها قرار اطلاقها من خلال المصادقة عليها، وهذا أصبح سهلاً نوعاً ما في ظل التوافق السياسي الذي غمر الساحة السياسية بعد «الاجتماع التشاوري» في القصر الجمهوري الذي انبثقت عنه خارطة طريق للمرحلة المقبلة، وقد وضعت الموازنة و«السلسلة» من ضمن النقاط الملحّة على هذه الخارطة.
ووفق تقديرات مصادر سياسية متابعة أنه لم يعد هناك من مجال للغنج والمناورات السياسية، وأن المرحلة هي مرحلة العمل للتعويض عمّا فات نتيجة هذا الغنج والمناورات الذي حصل طيلة أشهر سبقت إقرار قانون الانتخاب و«اللقاء التشاوري» الذي انعقد في بعبدا، لافتة إلى ان امام الحكومة، كما المجلس النيابي، جبال مرتفعة من الملفات التي هي في غالبيتها على تماس مباشر مع حياة المواطنين، ومنها ما هو مطلوب في هذه الآونة لتحصين الداخل اللبناني من آثار الرياح العاتية التي تضرب المنطقة وعلى وجه الخصوص الجوار اللبناني.
وتعتبر هذه المصادر ان الفرصة السياسية متاحة اليوم أكثر من أي وقت مضى في سبيل نفض الغبار عن الملفات الموضوعة على رف الانتظار منذ أشهر وسنوات، وعلى السياسيين اللبنانيين الاستفادة من المناخات الداخلية وتوظيف ذلك في سبيل طي العديد من الملفات التي كانت في السابق توضع في خانة الملفات الخلافية، من منطلق ان هذه الملفات مترابطة مع بعضها بحكم الواقع السياسي، فإذا ما حُلّت عقدة من العقد انسحب ذلك على الباقي، وحلحلت كل العقد وإن بطرق متفاوتة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في ظل «الموزاييك» السياسي والطائفي الموجود هو هل شهر العسل الذي بدأ بعد إقرار قانون الانتخاب سيدوم.. ويدوم..؟
المراقب والمتابع لمسار الوقائع السياسية يصل إلى نتيجة مفادها ان ما من شهر عسل بين طرفين أو أطراف سياسية يدوم إلى الأبد، وبالتالي فإن شهر العسل الذي يسود العلاقة بين الأطراف الأساسية في البلد لن يبقى حتماً على حاله مع اقتراب حزيران الـ2018، فما جمعه حزيران حول قانون الانتخاب ربما تفرقه الانتخابات النيابية، حيث ان تعديلات كثيرة ينتظر ان تطرأ على الخارطة السياسية الموجودة حالياً بنتيجة القانون الجديد، نتيجة التصويت الذي سيحصل على قاعدة النسبية واعتماد «الصوت التفضيلي» ضمن اللائحة الواحدة، فهذا الأمر بحد ذاته سيجعل الانتخابات حامية الوطيس في مختلف التقسيمات الانتخابية، والمنافسة ستكون أيضاً شديدة، وهذا الأمر سيحتم إعادة خلط أوراق التحالفات التي كانت موجودة عندما كانت تجري الانتخابات على قاعدة القانون الأكثري والتحالفات الجديدة ستكون في بعض المناطق بين خصوم الأمس.
وإلى موعد الدخول في مدار التحضيرات العملانية لخوض غمار الانتخابات النيابية، فإن الساحة الداخلية ستكون في رأي المصادر السياسية المتابعة حبلى بالانجازات التي أبدى رئيس الجمهورية في لقاء بعبدا رغبة في تحقيقها، وهو حث الحكومة على تزخيم عملها وعدم انتظار أي تطورات إن في الداخل أو الخارج لكي لا تذهب المدة التي تفصلنا عن الانتخابات هباءً منثورا، فيكفينا ما اضعناه من وقت وعلينا الذهاب في اتجاه التعويض عمّا فات وخصوصاً على المستويين الإنمائي والاقتصادي حيث ان مشاريع كثيرة متوقفة نتيجة الصراعات السياسية التي كانت دائرة والتي حالت دون التوافق عليها في مجلس الوزراء أو المصادقة عليها في مجلس النواب.